صوت صفير البلبل

طبعا الموضوع يمكن الكل بيعرفو وانا حبيت انقلو لان يمكن الاغلب مننا سامعو صوتا وهلق هاد هوي كتابة
بسم الله

كان الخليفة أبو جعفر المنصور ذواقاً للشعر يميز جيده من رديئه وقد أقام مجلساً للشعر والشعراء لكنه كان لا يحب التفريط بأموال الدولة فكان يشترط على الشاعر الذي يأتيه ليسمعه أن يكون قد كتب قصيدته من بنات أفكاره ولم يأخذها من شاعر قبله وألا يكون أحد قد سمع بها..
وإن فعل الشاعر كذلك أعطاه الخليفة وزن الذي كتبت عليه القصيدة ذهباً.

وكان أبو جعفر ذكياً فطناً قوي الذاكرة يحفظ القصيدة من أول مرة يسمعها فيها وعنده غلام يحفظ القصيدة من ثاني مرة وعنده جارية تحفظ القصيدة من ثالث مرة!!!

فكان الشاعر يسهر طول الليل يؤلف القصيدة ثم يكتبها ويذهب إلى الخليفة مزهواً بنفسه وبقصيدته فيسمعها له فيضحك أبو جعفر ويقول أنا أحفظ هذه القصيدة منذ زمن بعيد ثم يقرأ القصيدة عليه ثم يقول ولستُ أنا من أحفظها فقط ...فينادي للغلام الذي يكون واقفاً خلف ستارة في المجلس فيخرج وينشد القصيدة كاملة ... ثم ينادي للجارية فتخرج من خلف الستارة وتقرأ القصيدة عليهم..
وهنا يُحبط الشاعر ويذهب يندب حظه وقد أدرك أنه ليس بشاعر..

وكان هذا حال كل الشعراء الذين يذهبون للخليفة ويسمعونه قصائدهم ثم يكتشفون أن ثلاثة يحفظون القصيدة قبلهم..
ومرة دخل الأصمعي على الشعراء وهم يندبون حظهم ويشكون وعندما سألهم عن حالهم أخبروه بقصتهم مع الخليفة والغلام والجارية..
فبيت في نفسه أمراً وأسره عن الجميع..

ثم ذهب لبيته وألف قصيدة ملونة الموضوعات وأحضر جلد ماعز وقلبه ثم لبسه وخلع نعليه ووضع عباءته على وجهه فبدا كأعرابي أشعث أغبر ثم ساق ناقته وذهب إلى مجلس الخليفة..
دخل على الخليفة وسلم عليه ثم قال له: يا أمير المؤمنين أنا أعرابي من الموصل و جهبذ من جهابذة الشعراء وفحولهم..
فقال الخليفة:وفيم فحولتك؟؟
قال الأصمعي:نظمت قصيدة ما نظم أحد قبلي مثلها..
فقال الخليفة:أنت تعلم الشرط إن كانت من قولك أجزناك وأعطيناك وزن الذي كتبت عليه ذهباً وإن لم تكن ... ما أعطيناك شيئاً.
قال:نعم.
قال: فأسمعني..

وشرع الأصمعي يقرأ القصيدة:

صـوت صــفير الـبلبـل *** هيج قـــلبي الثمــل

المـــــــاء والزهر معاً *** مــــع زهرِ لحظِ المٌقَل
سهلة..
حتى هنا..

و أنت يا ســـــــــيدَ لي *** وســــــيدي ورموللي

فكــــــــم فكــــم تيمني *** غُـــزَيلٌ عَقــــــــــيقَلي

قطَّفتَه من وجــــــــــنَةٍ *** مِن لثم ورد الخــــجل

فـــــــقال لا لا لا لا لا *** وقــــــــد غدا مهرول

-حاول الخليفة أن يحسب اللالات فلم يقدر-

والخُـــــوذُ مالت طرباً *** من فعل هـــذا الرجل

فــــــــولولت وولولت *** وَلــــِـي وَلي يا ويلَ لي

فقلت لا تولولـــــــــي *** وبيّني اللؤلؤ لـــــِـــــي

قالت له حين كـــــــذا *** انهض وجـُـــــد بالنقل

وفتية سقــــــــــــونني *** قـــــــــهوة كالعسْل لي

شممـــــــــــتها بأنافي *** أزكـــــــى من القرنفل

في وسـْـط بستان حلي *** بالزهر والســـــرور لي

والعـــود دندن دنا لي *** والطبل طبطب طب لـي

طب طبطب طب طبطب *** طب طبطب طبطب طب لي

والسقف سق سق سق لي *** والرقص قد طاب إلي

شـوى شـوى وشــــاهشُ *** على ورق ســِـفرجلي

وغرد القمْري يصـــــيح *** ملل فـــــــــــي ملل

ولــــــــــــو تراني راكباً *** علــــى حمار أهزلِ

يمشي علــــــــــــى ثلاثة *** كمـــــشية العرنجل

والناس ترجــــــــم جملي *** في الســوق بالقلقللي

والكـــــــــل كعكع كعِكَع *** خلفي ومـــن حويللي

-لو أراد الخليفة أن يكتب" كعكع كعِكَع" لم يقدر-

لكـــــــــــن مشيت هارباً *** من خشـــية العقنقلي

إلى لقاء مــــــــــــــــلك *** مــــــــــعظم مبجل

يأمر لي بخـــــــــــــلعة *** حمـــراء كالدمْ دمَلي

أجــــــــــــرُّ فيها ماشياً *** مبغــــــــــدداَ للذيلي

أنا الأديب الاصمــعي من *** حي أرض الموصل

نظمت قطـْـــعاً زخرفت *** يعجز عنها الأدبلي

أقول في مطلعــــــــــها *** صوت صفير البلبل

حاول الخليفة تذكر شيء من القصيدة فلم يذكر شيئاً إلا:
صـوت صــفير الـبلبـل

نادى الغلام..فلم يفلح ..نادى الجارية فقالت:لم أسمعها في حياتي أبداً!!

وهنا أخفق الخليفة وقال :حسناً سنجزل لك العطاء على قصيدتك فهات الذي كتبت عليه القصيدة نزنه ونعطيك وزنه ذهباً.

فقال الأصمعي: يا أمير المؤمنين: لقد ورثتُ عن أبي عموداً من الـــرخام ولم أجد شيئاً أفضل منه أكتب عليه قصيدتي العصماء هذه..
والعمود على الناقة لا يستطيع حمله إلا أربعاً من الرجال الأشداء..
وهنا..
كاد أن يغمى على الخليفة..
فطلب إنزال عمود الرخام ووزنه وإعطاء الأعرابي حقه فظلوا يزنون حتى أُفرغت خزينة الدولة...

أخذ الأصمعي الأموال وانصرف..فقال أحد الجلساء..والله إنه الأصمعي فقال الخليفة: إئتوني بالأعرابي فلما جاء قال للأعرابي أزل العباءة عن وجهك فلما أزالها ظهر الأصمعي فقال الخليفة: أعد الذهب.. فقال الأصمعي: أعيده على شرط.
قال الخليفة: ما هو ؟ قال: أن تعطي كل شاعر أتاك ثمن قصيدته..
فوافق الخليفة وأعاد الأصمعي الذهب للخزينة.

اتمنى ان يعجبكم
مع تحيات نسر الجبل صوت صفير البلبل 339295

» قصيدة الاصمعي صوت صفير البلبل