قصة بيرق شعف
بيرق شعف واحد من بيارق بلدات وقرى جبل العرب التي ارتفعت فوق رؤوس المجاهدين في ساحات الوغى دفاعاً عن الأرض والعرض والشرف والكرامة.. والتي شمخت في معارك الثورة السورية الكبرى التي سطرت في ظلال هذه البيارق أنصع البطولات وأعظم الانتصارات في تاريخ جبل العرب، وتاريخ سورية وبلاد الشام.
إذا كانت جذور البيارق في الطائفة التوحيدية تعود لبدايات نشوئها قبل حوالي ألف سنة إلا أن بيرق شعف ترجع جذوره إلى حوالي 140 سنة تقريباً، حينما انتقل قسم من آل الخطيب من جبل الشيخ إلى قرية شعف واستقروا فيها واستلم بيرقها يوسف عبد الخالق الخطيب لمدة ثلاثين سنة وقبيل الثورة السورية الكبرى استلم البيرق اسماعيل الخطيب وكان من أنبل شباب القرية إلا أنه كان فارساً متهوراً حيث ركب فرساً صغيرة بغرض تطبيعها وسقط عنها وانكسرت رجله.. فاستلم البيرق ابن عمه عساف محمود الخطيب المشهور بقوته وشجاعته أسوة بأبيه محمود الذي كان يطلق عليه الناس (محمود جرار سيفه) حيث شارك في كثير من الوقائع التي خاضها سكان جبل العرب لاسيما ضد العثمانيين واشتهر محمود إضافة لشجاعته بالكرم وكانت زوجته أم عساف حلوة تسمى (أم الخبز) لكثرة ما تخبز بسبب كثرة الضيوف .
عند قيام الثورة السورية الكبرى بدأ الحماس يدب في أوصال الشباب من أهل القرية فاجتمعوا أمام مضافة محمود ورفع عساف البيرق وإلى جانبه أخيه سعيد المسمى ( صاحب النخوة والكرم ) لشدة نخوته وتفانيه لمصلحة أهل القرية، وحينما وصل المفزع داعياً لرد حملة ميشو في الأول من تموز من عام 1925 انطلق المجاهدون على صوت المجوز والجوفيات إلى المزرعة وشاركوا مع باقي المجاهدين من جبل العرب في مقاومة الفرنسيين وحرص عساف أن لا يميل البيرق حيث ظل منتصباً بالرغم من إصابته برصاصة استقرت في بطة رجله وحينما عاد الثوار منتصرين مهللين ( سقط شهيد واحد في هذه المعركة)، مروا على بلدة الكفر للاستراحة فطلب عساف من المعزب أي صاحب البيت أداة جارحة وقام عساف باستخراج الرصاصة من رجله أمام الجميعب السكين وعادوا إلى القرية.
لم يستطع عساف المشاركة في باقي المعارك فاستلم أخاه سعيد البيرق وكان عمره عند نشوب الثورة 25 سنة تقريباً وحمل البيرق في معركة المسيفرة حيث سقط في هذه المعركة 12 شهيد من مجاهدي القرية واستمر حمله للبيرق خلال معارك الثورة السورية.
بعد عام 1927 تم إخفاء البيرق حتى تم جلاء المستعمر الفرنسي.
ومما يذكر أن الثورة السورية الكبرى لم تنته فعلياً في عام 1927 كما ذكرت كتب التاريخ بل استمرت لسنوات عدة على شكل نوع من حرب العصابات بالتنسيق مع قائد الثورة المجاهد البطل سلطان باشا الأطرش المتمترس مع مجموعة من المجاهدين في النبك شمال السعودية، وقد كشف لي جدي سعيد عن عدة عمليات قاموا بها بشكل سري ضد الثكنة الفرنسية في أعلى تل شعف حيث كانوا يخبئون البنادق التي غنموها خلال الثورة في كروم العنب شرق القرية (الكوم) وكانوا يتسللون في الليل ويطلقون النار على الثكنة لفترة قصيرة ثم ينسحبون وكان الهدف منها إعلام الفرنسيين إن الثورة قابلة للاشتعال من جديد إذا حاول الفرنسيين الاعتداء على السكان العزل، أو تنصلوا من وعودهم بالجلاء عن سورية وقد انتشرت هذه الظاهرة في كافة مناطق الجبل وقبضت سلطات الاحتلال الفرنسية على عدد من هؤلاء المجاهدين من قرى أخرى وأعدموهم فوراً.
واليوم بعد نحو نصف قرن من وجود البيرق في مضافة سعيد محمود الخطيب عاد البيرق ليرتفع من جديد لكن هذه المرة في سماء وطن حر أبي في مكان يظلله العلم العربي السوري بأنفته وعزته، أنه اليوم يرفرف إلى جانب بيارق جبل العرب في متحف الثورة السورية الكبرى في صرح المجاهد البطل سلطان باشا الأطرش في القريا وقد تم نقله إلى هذا المكان بعد احتفال مهيب جرى في نفس المضافة وبمشاركة أهالي القرية واللجنة المسئولة عن جمع تراث الثورة السورية الكبرى .. وبعد أن وعد حفداء حمالين البيرق ..وعدوا بيرقهم العزيز أن يرفعوه فوق الجموع الزاحفة لتحرير القدس والجولان.