هل السراة كمن هبوا لها صبحا | والعادياتُ بذاك المُلتقى ضَبْحا |
فالليلُ أغطشَ حتى كاد ينكرهم | و الفجرُ أَوْحى بطرْف النُّور ما أوحْى |
قالوا فردَّدت الأيامُ خلفَهُمُ | و أسهبَ الدهرُ في أشعارهم شَرْحا |
سنُّوا الحروف فللأفكار صولتهم | و في صَليل القوافي أَدْرَكوا الفَتْحا |
قريضُهم ملأ الدنيا و شاغَلَها | أََدْنى هجاءً و أعلىَ مُسْبِغاً مَدْحا |
حيناً يَشِبُّ وَعِيداً أو مُساجَلَةً | و من شِفاه المنايا ينبري رُمْحا |
قد يضْرِمُ الحربَ إن مارتْ مراجِلُهُ | أو يُبدِلُ الحربَ مِنْ إحكامه صُلْحا |
و قد يُريبُ خوافٍ في مَواكنِها | و يَقلِبُ الصُّبحَ في لألائه جُنْحا |
أو يغمُرُ النفسَ فَيضٌ مِنْ سَكينَتِهِ | و يسْتحيلُ وديِعاً مُؤمناً سَمْحا |
يَستْرضِبُ الغيضَ مَنْ غاضَتْ قناعَتُهُ | من يُغْدِقُ الشِّعْرَهل يستَمنِحُ الرَّشْحا؟ |
تَزْهو الحضارة حيثُ الشِّعر سادِنُها | تَذْوي فيرتفع من أطلالها صَرحا |
يغدو رسولاً لها حتى يخلِّدَها | و يرسُمُ الوهْدَ في تصويرها سفحا |
حاٍد حفيٌّ إذا الأيامُ قافٍلةُ | تمضي فينشر في أذيالها الرَّوحْا |
و الشٍّعرُ لَحنٌ و أوتارُ الحروف إذا | ما هَزَّها الوجْدُ ينسابُ الجوى صَدْحا |
يا للغناء الذي يُشْجي مَواجِعَنا | يَشْدو الحياةَ و فينا يُعْملُ الذَّبْحا |
إنْ مَسهُ الشوْقُ أو أَنَّ الحنينُ بهِ | يَنُضَّه القَلْبُ من وهْجِ الحَشَا بَرْحا |
و إنْ تَجمَّلَ و الأهواءُ خائنةٌ | تَذروْهُ فَوْقَ جِراحات الهوى مِلحا |
يجودُ بالنبضِ و الأعصابُ ناضِبةٌ | لا تَسْألوا الجُرْحَ أنّى نزفُهُ سَحاَ |
يدنو كظبيٍ من التصريحِ في وَجَلٍ | قَدْ راعَهُ السَّبعُ أَنْ بادَرْتَه البَوْحا |
ظِلٌّ ظَليلٌ و لكنْ لا ظلامَ به | يَرْمي بشُهْبِ المعاني تَخْطِفُ اللّمْحا |
و من خُدور النوايا إن له خَطَرتْ | خَنْساءُ خَفَّ إلى اسْتِحْيائها سَفحا |
فإن وَشَى بِلَهِيبِ الشَّوقِ لاعجُهُ | يُدِِِنِكَ مَنْ كُنْتَ ترجو عِنْده الصَّفْحا |
إنَّ اللسانَ الذي أَجَّتْ مناهِلُهُ | لا يستبين له نصح وإن صحّا |
كأنه كُثُبٌ أَودعْتها غَدَقا | فإن هَفَوتَ لهيفاًِِ صادياً شحا |
لا يلتقي الليلُ والإشراقُ في زَمَنٍ | مَنْ رَامَ ذاكَ فلا أََمْسى و لا أَضْحى |
ديوانُنا الشِّعْرُ كم ضاجَتْ مَضَارِبُهُ | و ضُمِّخَتْ فَزَكَتْ مِنْ ضَوْعها نَضْحا |
أَيْكٌ و أيُّ فُنونٍ في نَضَارَتِهِ | ففي يَبابِ البوادي قَدْ غَدا دَوحْا |
نَفْحٌ من الرَّنْد تُصْبي القلبَ غَدْوتُهُ | شَذا البديعُ على أَعْطافِهِ فَوحا |
تعدو الفنونُ و في إبْطائِهِ خُبَبٌ | جَهيدَةَ اللهثِ ، أنّى تُدركُ المَنْحا ؟ |
قِوامُهُ الضادُ و الأضدادُ تَغْبطُهُ | هَيهاتَ تَرْقاهُ ، جَزْلاً مُعجِبَاً فَصْحا |
يَخْتالُ فيها كطاووسٍ فترمقهُ | حَسِيرةَ الطرف و ارى كيدُها القَرْحا |
ثَرُّ البلاغةِ يُثري حَيْثُ تَنْثُرُهُ | تلكَ السَّنابل ُ يُربْي ذَرُُّها القَمْحا |
تَشتدُّ في إثرِهِ الأقلامُ راعِفةً | وهجاَ فيوري بألبابِ الورَىْ قَدْحا |
كأنهُ البحرُ يَخشْى المرءُ غَضْبَتَهُ | و إنْ أنابَ يَجُبْ أنواءَهُ سَبْحا |
كأنه الريْحُ إنْ هاجَتْ مُحَمْحِمةً | مَنْ ذا يُطيقُ إذا ما اسْتُنفِرتْ كَبُحا ؟ |
هذا هو الشِّعرُ لا فُضَّتْ مجالسُهُ | و لا اسْتحالتْ أهازيجُ المُنى نَوْحا |
هذا هو الشِّعرُ صهواتٌ مُطَهَّمةٌ | مَرُحَى لخيَّالها إنْ أَقْبلتْ مَرْحى |
لا يَضْمَحِلُّ و قد فاضَتْ منابِعُهُ | نضّاخَةَ الحُسْنِ لا تنضو و لا تَضْحى |
اللهُ أكبرُ حتى حِينَ أَعْجَزَها | ربُّ البيانِ فكان الوحيُ بالفُصْحى |