صحوة ضمير...
لبس بدلته الباهظة الثمن مع ربطة العنق قبل زوجته على خدها وخرج من قصره ليدخل إلى سيارته المرسيدس لكي توصله إلى حفلة العشاء مع أصدقاؤه الأثرياء ليقضي ليله يتحدث فيها عن احدث موديلات السيارات والألبسة ويستمع إلى الموسيقى ،يقضي ليله جميلة مع أصدقاؤه يودعهم ليركب سيارته ويدوس على محرك السيارة ، وينطلق بالسيارة ليرى أمامه حاجز عسكري يتوقف عنده كل شيء إلى عقارب الانتظار التي تجري في مدار عشوائي ،الناس يمرون سيرا على الأقدام إلى حيث يريدون وهو ينتظر لكي يسمح له الجندي بالمرور ينتظر ساعات وساعات، تكبله سيارته وعجزه عن قطع مسافة طويلة لأنه لا يتقن مهارة المشي، فإنسان مثله لم يقرصه الجوع منذ سنوات ،لم يرتجف من البرد،لم يختنق من الحر،لم يتنفس الغبار،لم يمش على ارض وعرة ولم يعش كبد الحياة فقد لذة الشعور بالرفاهة.
بدا يراقب المارين وهو داخل سيارته شيخ يتقدم ببطء يقترب من سيارته ويقول له :يا رجل امشي لما تنتظر بالسيارة أفسح المجال للمارة،لم يعره أي اهتمام فتح التلفاز ليلتقط أخبار بلده عشرات الشهداء أم تبحث بين أنقاض منزلها المهدم عن فردة حذاء لابنتها الصغيرة لتسير على الطرقات الوعرة تجد حذاء تخرج أشلاء قدم ابنها الذي مات تحت الأنقاض وتأخذ الحذاء وهي تبكي بصمت اليائسين وتتابع السير...سأل نفسه كم ثمن هذا الحذاء الذي أرتديه أظنه يساوي أحذية هؤلاء الناس لمائة عام أي نوع من البشر أنا ..في هذه اللحظة نثرت فيه ستين عام من عزلة الثراء فقرر الانسجام مع ما يحيط بهي ترجل من سيارته ليقف عند الحاجز ويمشي يقفز عن التراب المكوم يلتوي كاحله ،يعرج ماشيا في عالم جديد شم الغبار أوسع خطواته ليتجاوز حفر الطرقات ،تورمت قدماه حذاءه قذر، ومغبر ،شعره أشعث ،جفت شفتاه من العطش ،تعطرت ثيابه برائحة التعب وبدأ وجهه يذبل ...
عندما وصل لقصره وجده محاط بمصابيح مضيئة نظر إلى البيوت المظلمة المزروعة في الجوار كان هذا التنافر المستفز لا يطاق،دخل القصر نظرت إليه زوجته قالت له:انك تشبه المشردين الذين تهدم بيوتهم فوق رؤؤسهم نظر في عينيها وتراجع خطوات إلى الوراء ليصل إلى خارج المنزل ،جلس على مقعد في حديقته أنهى حكايته بإغلاق أذنيه لعدم سماع رذاذ كلمات زوجته ،وصل إلى سمعه نشيد جميل بحث بالمكان كان هناك يرفرف على شجرة خلفه يهز الغصن ويستمر بالغناء،فوجد نفسه انه لأول مرة يستمع إلى موسيقى الطبيعة والحياة البعيدة عن الترف والثروة.