أُطاعِنُ خَيْلاً مِنْ فَوارِسِها الدّهْرُ | وَحيداً وما قَوْلي كذا ومَعي الصّبرُ |
وأشْجَعُ مني كلَّ يوْمٍ سَلامَتي | وما ثَبَتَتْ إلاّ وفي نَفْسِها أمْرُ |
تَمَرّسْتُ بالآفاتِ حتى ترَكْتُهَا | تَقولُ أماتَ المَوْتُ أم ذُعِرَ الذُّعْرُ |
وأقْدَمْتُ إقْدامَ الأتيّ كأنّ لي | سوَى مُهجَتي أو كان لي عندها وِتْرُ |
ذَرِ النّفْسَ تأخذْ وُسعَها قبلَ بَينِها | فمُفْتَرِقٌ جارانِ دارُهُما العُمْرُ |
ولا تَحْسَبَنّ المَجْدَ زِقّاً وقَيْنَةً | فما المَجدُ إلاّ السّيفُ والفتكةُ البِكرُ |
وتَضريبُ أعناقِ المُلوكِ وأن تُرَى | لكَ الهَبَواتُ السّودُ والعسكرُ المَجْرُ |
وترْكُكَ في الدّنْيا دَوِيّاً كأنّما | تَداوَلَ سَمْعَ المَرْءِ أنْمُلُهُ العَشرُ |
إذا الفضْلُ لم يَرْفَعكَ عن شكرِ ناقصٍ | على هِبَةٍ فالفَضْلُ فيمَن له الشّكْرُ |
ومَنْ يُنفِقِ السّاعاتِ في جمعِ مالِهِ | مَخافَةَ فَقْرٍ فالذي فَعَلَ الفَقْرُ |
عَليّ لأهْلِ الجَوْرِ كُلُّ طِمِرّةٍ | عَلَيْها غُلامٌ مِلْءُ حَيزُومِهِ غِمرُ |
يُديرُ بأطْرافِ الرّماحِ عَلَيْهِمُ | كُؤوسَ المَنَايا حيثُ لا تُشتهَى الخمرُ |
وكم من جِبالٍ جُبتُ تَشهَدُ أنّني الـ | ـجِبالُ وبَحْرٍ شاهِدٍ أنّني البَحْرُ |
وخَرْقٍ مكانُ العِيسِ منهُ مكانُنَا | من العِيسِ فيهِ واسطُ الكورِ والظّهرُ |
يَخِدْنَ بنَا في جَوْزِهِ وكأنّنَا | على كُرَةٍ أوْ أرْضُهُ مَعنا سَفْرُ |
ويَوْمٍ وَصَلْناهُ بلَيْلٍ كأنّمَا | على أُفْقِهِ من بَرْقِهِ حُلَلٌ حُمْرُ |
ولَيْلٍ وصَلْناهُ بيَوْمٍ كأنّمَا | على مَتنِهِ من دَجنِهِ حُلَلٌ خُضرُ |
وغَيثٍ ظَنَنّا تَحْتَهُ أنّ عامِراً | عَلا لم يَمُتْ أو في السّحابِ لهُ قَبرُ |
أوِ ابنَ ابنِهِ الباقي عَليَّ بنَ أحْمَدٍ | يَجُودُ بهِ لوْ لم أجُزْ ويدي صِفْرُ |
وإنّ سَحاباً جَوْدُهُ مِثْلُ جُودِهِ | سَحابٌ على كلّ السّحابِ له فَخرُ |
فَتًى لا يضُمّ القلبُ هِمّاتِ قَلبِهِ | ولَوْ ضَمّها قَلْبٌ لمَا ضَمّهُ صَدرُ |
ولا يَنْفَعُ الإمكانُ لَوْلا سَخاؤهُ | وهل نافعٌ لوْلا الأكفُّ القنا السُّمْرُ |
قِرانٌ تَلاقَى الصَّلْتُ فيهِ وعامِرٌ | كمَا يَتَلاقَى الهِنْدُوَانيُّ والنّصرُ |
فَجاءَ بهِ صَلْتَ الجَبينِ مُعَظَّماً | ترَى النّاسَ قُلاًّ حَوْلَهُ وهُمُ كُثْرُ |
مُفَدًّى بآباءِ الرّجالِ سَمَيْذَعاً | هُوَ الكرَمُ المَدُّ الذي ما لهُ جَزْرُ |
وما زِلْتُ حتى قادَني الشّوْقُ نحوَهُ | يُسايرُني في كُلّ رَكْبٍ لهُ ذِكْرُ |
وأستَكْبِرُ الأخبارَ قَبلَ لِقائِهِ | فلَمّا التَقَيْنَا صَغّرَ الخَبَرَ الخُبرُ |
إليكَ طَعَنّا في مَدَى كلّ صَفْصَفٍ | بكُلّ وَآةٍ، كلُّ ما لَقِيَتْ نَحْرُ |
إذا وَرِمَتْ من لَسعَةٍ مَرِحَتْ لهَا | كأنّ نَوالاً صَرّ في جِلدِها النِّبرُ |
فجئناكَ دونَ الشّمسِ والبدرِ في النّوَى | ودونَكَ في أحوالِكَ الشّمسُ والبدرُ |
كأنّكَ بَرْدُ الماءِ لا عَيشَ دونَهُ | ولوْ كنتَ بَرْدَ الماءِ لم يكُنِ العِشرُ |
دَعاني إلَيكَ العِلمُ والحِلمُ والحِجَى | وهذا الكلامُ النّظمُ والنّائلُ النّثرُ |
وما قُلتُ من شِعْرٍ تكادُ بُيُوتُهُ | إذا كُتِبَتْ يَبْيَضّ من نورِها الحبرُ |
كأنّ المَعاني في فَصاحَةِ لَفْظِهَا | نُجُومُ الثّرَيّا أو خلائقُكَ الزُّهرُ |
وجَنّبَني قُرْبَ السّلاطِينِ مَقْتُهَا | وما يَقْتضِيني مِن جَماجِمِها النَّسرُ |
وإنّي رأيتُ الضُّرّ أحسَنَ مَنظراً | وأهْوَنَ مِنْ مَرْأى صَغيرٍ بهِ كِبْرُ |
لِساني وعَيْني والفُؤادُ وهِمّتي | أوُدُّ اللّواتي ذا اسمُها منكَ والشَّطرُ |
وما أنا وَحدي قلتُ ذا الشّعرَ كُلّهُ | ولكنْ لشعري فيكَ من نَفسه شعرُ |
وما ذا الذي فيهِ منَ الحُسنِ رَوْنَقاً | ولكنْ بَدا في وجهِهِ نحوَكَ البِشْرُ |
وإنّي ولوْ نِلْتَ السّماءَ لَعالِمٌ | بأنّكَ ما نِلتَ الذي يوجبُ القَدْرُ |
أزالَتْ بكَ الأيّامُ عَتْبي كأنّمَا | بَنُوها لهَا ذَنْبٌ وأنتَ لهَا عُذْرُ |