اذا صادف و مررت في قرية نائية الصمت .....
تنثر صفصافها على تنانير النساء .....
و تلم من الحقول أنين المعاول و تنهدات الحطب المحروق في تنور هرم
اذا صادف و رأيت امرأة في حقول الحنطة تتأمل قنباز ذاك الرجل من التعب ...
و ترش على يديه الصبر و الأمل ....
أقول لك :
"ان تلك القرية هي قريتي و المرأة هي أمي "
و أمي التي لا تعرف متى يجيئ عيدها .... و لا تنتظر الهدايا من أحد
تكوم عشرات السنين على كرسي القش ....
وتضع يدها على رأسها كالمظلة و تنظر الى الشرق بكل آسى و تسأل :
هل غابت الشمس ....؟
أمي التي كانت تمشط شعري في صباحات البرد ثم تزرر مريول المدرسة
على أحلام واسعة .... تضع في جيبي الوصايا ثم تدفعني الى الطريق قائلة :
(العتبة نصف الدرب)
تلك التي كانت شامخو كشجرة الأرز .... و جميلة كقرنفلة ......
و رقيقة كعبير الورد ....
ما عادت تراني من بعيد انها تسمع صوتي فتقول : جاء .......
و تضمني الى صدرها فتعرفني من رائحتي
لو صادف و مررت بقريتي كنت سترى امرأة تربط شعرها بنهر من الفرح
و تحتدي بقدميها حقول القمح الصفراء
أما في يدها فكنت ستقرأ أسماء اخوتي و أعمارهم و عذاباتهم
و في عينيها سترى المنجل و هو يحصد القمح ,,,,,,
اذا مررت في قريتي سترى عتبة مذهولة بلا نباتات معطرة
و بلا جرة الماء قرب الحائط القديم
و اذا ما تجولت في المنزل لن ترى منديلا" حريريا" معلقا" ....
و لا خضاضة اللبن .....
أو مقلى الفخار ....
و لكن سترى تعبا" قديما" مكوما" في الزوايا و صراخ أطفال ابتعد و ذاب في رمل الحياة
و عند الباب الغربي سترى طاولة شاخ فوقها ضوء الكاز و هرمت عليها الكؤوس
سترى عكازة تنتظر امرأة عجوز كي تسير بها نحو الخيال وفوق ذلك الرف القديم سترى أدوية
لأمرأة تخبئ في عينيها طابور من الأسئلة ,,,
تلك المرأة هي أمي
لا تكف عن الشوق .......
و لا تتعب من نثر الوصايا ......
و نحن لا نكبر في عينيها .....
نظل صغارا" أبدا" ...............
و تظل تلاحقنا أحزاننا ,,,,
آه لو يصادف يا امي و آتي القرية و أراك من بعيد بين المساكب
أو أرى تنور القرية العجوز قد فاض بالجمر و الدخان ....
و لكن ..........
عبثا" أيها الملا الطاهر .....!
كل شي قد تغير ....
و بقي عيدك الذكرى التي لا تمحى .........
((( كل عام أنت بخير )))
و شكرا"
علمتني أمي تلك المرأة الريفية الطيبة
أن الرماد ليس انتهاء النار
ام الرمان 18-3-2011م