""معركة عرمان عام /1896 / ضد العثمانيين و دور المجاهدة (سعدى ملاعب) و المجاهدة ( دَلَّه حمزة)
أسباب المعركة:
كان (عبدو أفندي الجبولي) حاكماً للسويداء بالعهد العثماني ، و إبان حكمه اعتدى بعض الرُعاة من عشائر (الشرفات) على مزروعات أهالي عرمان ،فاضطر النواطير لتنحيتهم بالقوة و قد حدثت عدة اشتباكات بين النواطير و الرُعاة ...قُتل على إثرها بعض الرعاة من البدو ، مما اضطرهم للشكوى إلى حاكم السويداء .
فأرسل (عبدو أفندي ) بطلب بعض وجهاء عرمان (إبراهيم الجرمقاني ، صالح الحلبي ، هلال العطواني ، محمود صيموعة)و لدى ذهاب الوجهاء لمقابلة الحاكم العثماني بالسويداء نَصَحَهُم مُختارها (محمود جربوع ) بعدم المقابلة لأن (عبدو أفندي )سيغدُر بهم ، فعادوا لعرمان ثم اجتمعوا مع وجهاء مَلح و امتان و اخبروهم بما حدث ، و تعاهدوا جميعاً على مواجهة أيّ عدوان.
و بما أن الوجهاء الذين طلبهم (عبدو أفندي )لم يحضروا لمقابلته ... لذلك ذهب هو بنفسه لعرمان على رأس قوة مؤلفة من عشرين جندياً ، يساعده في قيادتها (مشرف أغا) و ذلك بحجة البحث عن هاربَيْن من الجندية العثمانية هُما(فارس و قبلان الأطرش )
،و اعتقال نواطير عرمان الذين قتلوا بعض الرُعاة من البدو، و قد استضاف عبدو أفندي و جنوده أحد وجهاء عرمان (محمود أبو خير ) في مضافته و قد أولم لهم صاحب المضافة حسب العادات و التقاليد ، و لكن عبدو أفندي أرسل مساعده (مشرف أغا) مع جنديين لإلقاء القبض على الناطور ( عبد الله ياغي) فأحضروه ممسكين بثيابه ، و لدى مرورهم من أمام مضافة ( محمود أبو خير ) قال صاحب المضافة لمشرف أغا :
) تفضل للغدا .. و لاحق تاخذ زلم ... ؟! ) فأجابه ( مشرف أغا ) بصفاقة : (أنا بياخذ زلم ... و بياخذ راسك كمان ... ؟! ) فغضب ( محمود أبو خير) و اسل سيفه و هجم على مشرف أغا ... و في هذه اللحظات تمكن (عبد الله ياغي) من الإفلات من الجنديين و هرب ، فأطلق عليه النار أحدهما فأخطأه ، و عندما سمع الجنود داخل المضافة صوت إطلاق النار و شاهدوا ( محمود أبو خير) شاهراً سيفه و هاجماً باتجاه (مشرف أغا) ، أطلق النار أحد الجنود على محمود أبو خير فقتله و في نفس اللحظة هجم ( علي الدبيسي ) الذي كان قريباً من (مشرف أغا) و ضربه بسيفه فأرداه قتيلاً ، ثأراً للشهيد ( محمود أبو خير ) انهزم (عبدو أفندي ) مع من بقي من جنوده و احتموا بمضافة (إبراهيم الجرمقاني) و أوصدوا بابها خلفهم ، و في هذه اللحظات هرب خيّال كردي على فرسه خارج عرمان ، ليخبر العثمانيين بما حلّ بجنودهم .
لجأ الجنود في مضافة الجرمقاني للغدر كعادتهم ، فوضعوا بندقية خارج المضافة فكلما اقترب أحدُ الأهالي لأخذها يقتلونه ، و ظل الاشتباك بين أهالي عرمان و الجنود حتى مغيب الشمس حتى قتل من الأهالي رجلان و قتلت امرأة أيضاً.
بعدها صعد أهالي عرمان إلى سطح المضافة ،و فتحوا فيه ثغرة تمكنّوا من خلالها القضاء على كافة الجنود مع قائِدهم (عبدو أفندي ) و لازالت آثار تلك المعركة على باب مضافة (إبراهيم الجرمقاني) شاهداً على تلك الحادثة حتى الآن |.
و على إثر تلك الحادثة ،جهّز (ممدوح باشا) القائد العسكري لحامية حوران ،حملة عسكرية مؤلّفة من أربعة كتائب مشاة ، معززة ً بمدفعين كبيرين بقيادة ( غالب بك و رضا بك ) و كتيبة خيّالة بقيادة (محمد بك الجيرودي ) و أمرهم بحرق عرمان و تدميرها نهائياً ، و كان ذلك في أوائل تشرين الثاني عام 1896.
و كانت الخطة العثمانية أن يتم احتلال عرمان ليلاً ،و لكن دليل الجيش ( سليم الجاري ) من أهالي السويداء المتطوّع مع العثمانيين ، تمّكن أن يتّوه الجيش بين كروم عرمان طوال الليل حتى بزوغ الفجر ، و كانت عرمان تبعد عن مسير ساعة و قد شاهدهم بعض فلاحيها الذاهبين إلى حقولهم ، فرجعوا و اخبروا أهاليهم بما شاهدوه فاستنفروا المقاتلين لمواجهة الحملة العثمانية ، و كان عدد المقاتلين في عرمان لا يتجاوزون المائة مقاتل ، فهاجموا الجيش من الغرب ليبعدوه قدر الإمكان عن بيوت القرية ، و أرسلوا المفازيع إلى القرى المجاورة للمشاركة بالمعركة ، و كان لمبادرة المجاهد (طحيمر السيقلي ) الذي ذهب بنفسه لاستنفار أهل صلخد شاناً عظيماً سنأتي على ذكره لاحقاً ،و قد تمكن أهل عرمان من الصمود في مواجهة الجيش العثماني في الدقائق الأولى ، و كان المطلوب منهم الصمود حوالي ساعة ريثما تصل النجدة من القرى المجاورة ، و قد دفعوا ثمن صمودهم أنبل أبطالهم ، و اتخذوا متاريسهم في أماكن أفضل لتساعدهم على الصمود أكثر ، و لّما رأت نساء عرمان استبسال رجالهم ، هبّت كل امرأة و أخذت تحّث المقاتلين على الصمود ، و قد برزت منهنّ المجاهدة ((سعدى ملاعب )) التي كانت تنتقل من متراس إلى متراس غير مكترثة بالرصاص الموّجه نحوها ، لتؤمن الماء للمقاتلين ، ثم أخذت تحّثهم على الصمود قائلة لهم : ( يا نشامى ... الشجاعة صبر ساعة ، اصمدوا حتى يوصلوا بيارق صلخد و مَلَح و امتان ، و النصر قريب بإذن الله ... قولوا يا غيرة الغرض و الدين ، و اتكلوا على الله ...)و اقتدت بسعدى ملاعب المجاهدة ((دَلَّه حمزة)) و أخذت تشجِّع المقاتلين على الصمود قائلة ً لهم : (اليوم و لا كل يوم يا نشامى ... انتو المنتصرين لأنكن على حق ...قولوا يا ناصر الستة على الستين...) و تقصد بذلك الآية الكريمة :"كم من فئة قليلة غَلَبت فئاتٍِ كثيرةٍ بإذن الله " و بدأت تزغرد لهم و لصمودهم حتى وصل بيرق صلخد ، فاستبسل فرسان صلخد استبسالاً أسطورياً ، حيث قدَّموا في هذه المعركة (72) شهيداً و من يومها تكَّنوا ( بالزغابة ) تكريماً لبطولتهم .
و تواصلت النجدات من مَلَح و امتان و باقي القرى في المقَّرن القبلي ، فارتفعت معنويات المدافعين ، و تراجع الجيش العثماني قليلاً ممَّا زاد في معنويات المجاهدين ، فهاجموه من ثلاث جهات و تركوا له الجهة الغربية ليهرب منها ، و اشتبكوا معه أخيراً بالسلاح الأبيض إلى أن انهزم الجيش و انتصر أصحاب الحق رغم قلة عددهم .
لكن ( ممدوح باشا) زَّج بكتيبة الخيَّالة التي كانت بمؤخرة الحملة بقيادة ( محمد بك الجيرودي ) و عندما وصل إلى (تلول الأشاعر شمالي قرية عيون ) فوجئوا بجيشهم مدحوراً ، و عندها أدار الجيرودي رأس فرسه الصفراء غرباً و هربَ مع الهاربين من كتيبته ، و تابع المجاهدون مطاردتهم و هم يرددون :
صفرة جيرودي غَرَّبت قوطر يحّث ركابها
يا محمد خَبّر دولتك حنا و لينا طوابها
و قد غنم المجاهدون من هذه الحملة سلاحاً كثيراً كما غنموا المدفعَين الكبيرين و قد أكَّد ذلك المؤرخ (محمد كرد علي ) بكتابه خطط الشام – الجزء الثالث ص 109، لكن المجاهدين اُستشهِد منهم نحو مائتي شهيد.
و عمد عودة المقاتلين المنتصرين دخلوا عرمان و هم يهزجون:
لَ عيونك سعدى ملاعــب ... نفني كل الكتائـــــب
ما بيرجع لَ قرابو السيف ... غير يسوّي العجايب .
أيها الأعزاء ...إن ما قلته لكم موثقاً في كتاب للباحث فايز مان الدين بعنوان (الشعر الشعبي في جبل العرب) و قد تطّرق إلى ذكر المعركة و أسبابها ليعرِّف القارئ بمناسبة القصيدة التي أرخَّت للحدث التاريخي
ضد العثمانيين و دور المجاهدة (سعدى ملاعب) و المجاهدة ( دَلَّه حمزة)